فصل: قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{يَوْمَ لا يُغْنِي} فيه {مولى عَنْ مولى شَيْئًا} من الأشيئاء أي لا تنفع القرابة والصداقة والخلّة والسيادة من أي ولي كان {و لا هُمْ} الموالي والرؤساء {يُنْصَرُونَ} 41 أيضا فلا يقدرون على نصرة أنفسهم، ولا دفع العذاب عنهم، فكيف ينفعون غيرهم {إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ} فلا يخلص من العذاب غير الذين يرحمهم اللّه فإنهم يخلصون ويشفعون لغيرهم أيضا بإذن اللّه لمن يشاء رحمته.
راجع الآية 86 من سورة الزخرف المارة {إِنَّهُ هو العَزِيزُ} الغالب على أعدائه {الرَّحِيمُ} 42 بأوليائه.
قال تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ} 43 مرّ ذكرها في الآية 42 من الصافات فراجعها فهي {طَعامُ الأثيم} 44 في جهنم وهي خاصة بكثيري الاثام كبيري الكفر عامة، وما قيل إنها خاصة في أبي جهل على فرض صحته لا يقيد عمومها وشرابه فيها {كَالْمُهْلِ} در درى الزيت وعكره ووسخه حال حرارته {يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} 45 حال نزوله فيها {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} 46 الماء المتناهي في الحرارة.
أخرج الترمذي وقال حديث صحيح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن تكون طعامه» أجارنا اللّه ثم يقال لذلك الأثيم بعنف وشدة {خُذُوهُ} جرّوه واسحبوه {فَاعْتِلُوهُ} احملوه وأوقعوه {إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ} 47 وسطها {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ} 48 الماء الشديد الغليان وإضافة العذاب إلى الحميم إضافة مبالغة أي عذابا هو الحميم، وسمي عذابا لعظم حرارته، ثم يقال له على سبيل التبكيت والتحقير {ذُقْ} هذا أحد أنواع العذاب المخصّصة لك {إِنَّكَ} تزعم في الدنيا {أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} 49 عند قومك وتصف نفسك بهاتين الصفتين، ولا تعلم أيها الكافر أن العزيز من أعزه اللّه، لا من أعزته الدنيا بحطامها، والكريم من أكرمه اللّه لا من احترمه الناس لماله أوجاهه أو عشيرته أو رياسته:

.مطلب دعاء أبي جهل في الدنيا ومأواه في الآخرة ونعيم الجنة ومعنى الموتة الأولى:

قيل كان أبو جهل يقول: ما بين لابتيها (يريد مكة) أعز وأكرم مني فتقول له خزنة جهنم على طريق التوبيخ والتقريع والسخرية {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}.
واعلم أن لفظ الشجرة فيها ثلاث لغات: فتح الشين وكسرها وإبدال الجيم ياء، ويوجد الأن طائفة من العرب في العراق ينطقون الجيم ياء فيقولون ريل بدل رجل.
ويقال لهذا الأثيم أيضا {إِنَّ هذا} العذاب جزاء {ما كُنْتُمْ بِهِ}.
في الدنيا {تَمْتَرُونَ} 50 تشكون بصحته ولا تصدقون من أخبركم به، هذا وقد علمت أن هذه الآية عامة في جميع الكفار فيدخل فيها أبو جهل وأضرابه دخو لا أوليا لأنهم كانوا يقاومون حضرة الرسول بأنواع المقأو مات وهو أكرم الخلق وأعزهم على اللّه.
انتهى وصف حال أهل النار حمانا اللّه منها.
وهناك وصف أهل الجنة، رزقنا اللّه إياها، قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ} 51 من كل سوء، والمقام بفتح الميم المكان وهو من الخاص الذي استعمل بمعنى العام، وبالضم موضع الإقامةِ {في جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}.
52 جارية خلالها لزيادة البهجة وحسن النضارة، وأهل هذه الجنات {يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ} الحرير الرقيق {وَإِسْتَبْرَقٍ} ما ثخن منه ويسمى ديباج قيل هو أعجمي معرب أوأنه خرج من الأعجمية لاستعماله في العربية قبل نزول القرآن.
ومعنى التعريب جعل الكلام الأعجمي عربيا لتصرفه وإجرائه مجرى الكلمات العربية بتغيره عن منهاجه الأعجمي وتمشيته على أوجه الإعراب، راجع الآية 182 من سورة الشعراء في ج 1، تقف على جميع الكلمات الموجودة في القرآن المقول فيها إنها أعجمية هي عربية، {مُتَقابِلِينَ} 53 يعني هؤلاء الأبرار في جلوسهم، ينظر بعضهم إلى بعض بشوق ومحبة، وهذا من اداب المجالسة والمخاطبة، لأن في الصدود وإعطاء الظهر للجليس والمخاطب إهانة وعدم اكتراث بكلامه، راجع الآية 44 من سورة الصافات المارة والآية 16 من سورة الواقعة في ج 1، {كَذلِكَ} كما أكرمناهم بما ذكرنا، فقد أحببناهم {وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} 54 نقيات بيض واسعات الأعين يحار الرائي من وصفهن {يَدْعُونَ فِيها} يطلبون أهل الجنة {بِكُلِّ فاكِهَةٍ} أرادوها فتحضر لهم حالا {آمنين} 55 من تعب قطفها وانقطاعها وغسلها، لأن ثمر الجنة يدنو لطالبه، دائما لا ينقطع، طاهر زكي لا يتقيد بموسم، أوبقطر كثمار الدنيا ولا ينقص، إذ يخلق اللّه بدله حين قطفه، ومهما أكثروا من أكلها فهم بمأمن من مضرّتها، بخلاف ثمار الدنيا، لأن اللّه تعالى جعل في كل قطر زمنا للفواكه والخضراوات بحسب ما يوافق أهله، والبيئة التي هم فيها، حتى ان الحكماء الأقدمين حذروا أكلها بغير موسمها، وقبل نضجها، ولوعلم اللّه فيها خيرا لهم لجعلها دائمة في كل مكان، إذ لا يعجزه شيء، ولجعلها مما يدخر كالزيتون والتين والتمر والزبيب وغيرها، ولذلك ينبغي أن يتحاشى عن أكلها في غير موسمها وقيل نضجها، ويكثر منها وقتها لما فيها من النفع للوجود بصورة لا تؤدي إلى التخمة، قال تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} لأن الجنة محل الخلود دائما {إِلَّا الْمَوْتَةَ الأولى} التي فارقوا الدنيا بها، وإنما ليستثنى الموقة الأولى من موت الجنة مع أنها لا موت فيها البتة، لأن السعداء جعلنا اللّه منهم إذا ماتوا يصيرون بلطف اللّه تعالى إلى أسباب الجنة لما يرون من نعيم برزخ القبر فيلقون فيه الروح والريحان، ويرون منازلهم في الجنة عند خروج أرواحهم، كما مر في الآية 89 من سورة الواقعة في ج 1، فكأن موتهم في الدنيا كان في الجنة لأنصالهم بأسبابها ومشاهدتهم إياها، لأن اللّه تعالى قال في سورة الواقعة المذكورة {إِذا بَلَغَتِ} الروح {الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ} عند بلوغ الروح الحلقوم لا تقدرون على التكلم ولكنكم {تَنْظُرُونَ} منزلتكم في الجنة أو النار، وإنما جعل اللّه تعالى هذه الرؤيا في تلك الحالة حتى لا يقبل فيها إيمان ولا توبة لأنها حالة يأس، وإلا لما مات أحد على الكفر، راجع الآية 90 من سورة يونس المارة وما ترشدك إليه من الآيات المتعلقة في هذا البحث.
قال تعالى: {و وقانا عَذابَ السَّمُومِ} 56 وقرىء {ووقاهم} بالتشديد للتكثير {فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ} أي أن ذلك العطاء بمجرد الفضل من اللّه لأن أعمالهم لا تؤهلهم ذلك ولا بعضه، بل لا يستحقون بعملهم على اللّه شيئا، لأنه مهما كان كثيرا لا يقابل بعض نعم اللّه عليهم {ذلِكَ} وقايتهم من النار وإدخالهم الجنة {هوالْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 57 الذي لا أعظم منه.
قال تعالى ملتفتا لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّما يَسَّرْناهُ} القرآن المشار إليه أول السورة {بِلِسانِكَ} يا سيد الرسل {لَعَلَّهُمْ} قومك المشار إليهم انفا في الآية 22 المصدرة بقوله: {أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ} أي لعلهم يتفكرون به فيؤمنون حين {يَتَذَكَّرُونَ} 58 به فيتعظون ويرجعون عن غيّهم وطغيانهم وإلا {فَارْتَقِبْ} فيهم نزول العذاب كما {إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} 59 ما يحل بك من الدوائر بزعمهم، وستكون عليهم دائرة السوء.
هذا، ولا وجه لقول من قال إن هذه الآية منسوخة بآية السيف، لأن غاية ما فيها إخبار اللّه تعالى نبيّه عما يحل بقومه الكافرين وما يناله عباده المؤمنين، ومن المعلوم أن الاخبار والوعيد والتهديد لا يدخلها النسخ، راجع بحث الناسخ والمنسوخ في المقدمة.
هذا، ولا يوجد سورة مختومة في هذه اللفظة غير هذه.
وأستغفر اللّه، ولا حو ل ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى إله وأصحابه وأتباعه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة الدخان مكية وقيل إلا قوله: {إنا كاشفوا لعذاب} الآية فمدني.
وقد علم حكم {حم والكتاب المبين} مما مر في السورة السابقة.
{إنا أنزلناه في ليلة مباركة} تام إن جعل جوابا للقسم وان جعل صفة للكتاب فالوقف التام على {منذرين}.
{فيها يفرق كل أمر حكيم} كاف وكذا {رحمة من ربك}.
{السميع العليم} تام لمن قرأ {رب السموات} بالرفع على غير البدلية من {السميع} وليس بوقف لمن قرأه بالرفع عليها أو بالجر بدلا من {ربك}.
{موقنين} تام.
{لا إله إلا هو} حسن وأحسن منه {يحيي ويميت}.
{الأولين} كاف وكذا {يلعبون}.
{بدخان مبين} صالح.
{يغشى الناس} أصلح منه.
{عذاب أليم} كاف.
{مؤمنون} حسن وكذا {مجنون} و{عائدون}.
{يوم نبطش} أي وذاكر يوم نبطش.
{منتقمون} تام.
{أمين} جائز وكذا {بسلطان مبين} و{ترجمون}.
{فاعتزلون} تام.
{مجرمون} صالح.
{متبعون} مفهو م.
{مغرقون} تام.
{فاكهين} كاف. وقيل بل كذلك ووقع في الأصل بدل {فاكهين} {كريم} وهو سهو.
{قوما آخرين} صالح.
{منظرين} حسن.
{من فرعون} كاف.
{من المسرفين} حسن.
{على العالمين} جائز.
{بلاء مبين} حسن وكذا {صادقين}.
{أم قوم تبع} تام وقال أبو عمرو كاف هذا إن جعل ما بعده مستأنفا فان جعل معطوفا على {قوم تبع} فليس ذلك بوقف.
{أهلكناهم} كاف.
{مجرمين} تام وكذا {لاعبين}.
{ولا يعلمون} أجمعين رأس آية وليس بوقف لأن {يوم لا يغنى} بدل من {يوم الفصل},
{من رحم الله} كاف.
{الرحيم} تام.
{كالمهل} جائز لمن قرأ {تغلي} بالتاء أي الشجرة وليس بوقف لمن قرأه بالياء.
{الحميم} كاف وكذا {ذق} لمن قرأ {إنك} بالكسر وليس بوقف لمن قرأه بالفتح أي ذق لأنك. {الكريم} حسن.
{تمترون} تام.
{متقابلين} حسن وقيل الوقف على {كذلك}.
{بحور عين} صالح.
{آمنين} كاف.
{الأولى} جائز وكذا {عذاب الجحيم}.
{من ربك} تام.
{العظيم} كاف.
{يتذكرون} صالح.
آخر السورة تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة الدخان مكية قيل إلا قوله: {إنا كاشفوا العذاب قليلا} الآية فمدني.
كلمها ثلثمائة وست وأربعون كلمة وحروفها ألف وأربعمائة وأحد وأربعون حرفا وآيها ست أو سبع أو تسع وخمسون آية.
{حم والكتاب المبين} حسن إن جعل جواب القسم {حم} مقدّما وليس بوقف إن جعل جوابه {إنا أنزلناه} وإن جعل {والكتاب المبين} قسما كان الوقف على {في ليلة مباركة} تاما وإن جعل {في ليلة مباركة} صفة للكتاب والقسم {حم} كان الجواب والوقف {إنا كنا منذرين} ومنع بعضهم أن تكون {حم} قسما لأن الهاء راجعة الى الكتاب وكأنه أقسم على نفس المقسم عليه وفسر الشيء بنفسه والأكثر على أن القسم واقع عليه.
{كل أمر حكيم} كاف إن نصب {أمرا} بفعل مقدر أو نصب على المصدر بتأويل العامل فيه الى معناه أي أمرنا أمرا بسبب الأنزال أو نصب على الاختصاص وليس المراد الاختصاص الاصطلاحى فانه لا يكون نكرة أعني بهذا الأمر أمرا خاصا وليس بوقف ان نصب بيفرق أو نصب على معنى يفرق أي فرقا الذي هو مصدر يفرق لأنه إذا حكم بشيء وكتبه فقد أمر به أو نصب على الحال من كل المضافة والمسّوغ عام لأن كل من صيغ العموم أو حالا من أمر فهو خاص لوصفه بحكيم وفيه مجئ الحال من المضاف إليه في غير المواضع المذكورة أو نصب حالا من الضمير في {حكيم} أو نصب على إنه مفعول {منذرين} والمفعول الأول محذوف أي منذرين الناس أمرا أو نصب من ضمير الفاعل في أنزلناه أو من ضمير المفعول وهو الهاء في {أنزلناه} أي آمرين به أمرا أو مأمورا به أو نصب على إنه مفعول له والعامل فيه {أنزلناه} وحينئذ لا يحسن الوقف على شيء من قوله: {إنا أنزلناه} إلى هذا الموضع.
{من عندنا} حسن. ومثله {إنا كنا مرسلين} إن نصب {رحمة} بفعل مقدّر وليس بوقف إن نصب {رحمة} من حيث ينتصب أمرا من الحال والمفعول له ولم يحسن الوقف من قوله: {إنا أنزلناه} إلى هذا الموضع.
سمى الله تعالى إرسال الرسل رحمة أي رحمة لمن أطاعهم وقال سعيد بن جبير اللفظ عام للمؤمن والكافر فالمؤمن قد سعد به والكافر بتأخير العذاب عنه وعلى هذا لا يوقف على {مرسلين}.
{رحمة من ربك} كاف.
{العليم} تام لمن قرأ {رب} بالرفع مبتدأ والخبر {لا إله إلا هو} أو رفع خبر مبتدأ محذوف أي هو رب وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وليس بوقف لمن جره بدلا من {ربك} وحينئذ لا يوقف على {من ربك} ولا على {العليم} وهي قراءة أهل الكوفة عاصم وحمزة والكسائي.
{موقنين} تام.
{لا إله إلا هو} حسن إن جعل ما بعده خبرا ثانيا وليس بوقف إن جعل حالا كأنك قلت محييا ومميتا.
{يحيي ويميت} أحسن مما قبله على استئناف ما بعده.
{الأولين} كاف ومثله {يلعبون} ووقف بعضهم على {فارتقب}.